الاثنين، 22 يونيو 2009

الجنّة الآن

إن الحياة الحقيقية ما هي إلا دقّات قلب اللحظة التي تحيا فيها الآن... فإذا استغرقتَ في اللحظة ستشعر بنبضها... حينما تزيل الحدود في خريطة قلبك بين روحك وجسدك، بين داخلك وخارجك، بين الأعلى والأوطى...
ليس هناك من فصل بين كل ذلك، ما الجسم إلا روح مرئية، وما الروح إلا جسم غير مرئي.... هل يمكنك أن تفصل الرقص عن الراقص؟ الرسّام عن لوحته؟ أو المغني عن أغنيته؟.... لا يمكن لذلك أن يتواجد بانفراد، فهما تجلّي لنفس الظاهرة وتعبير عن نفس الطاقة...
إذاً ليس هناك من فصل بين الآن والجنة التي صُوّرت لنا أن موعدها غداً....
لقد تعلّمنا أن التقوى وقبول الله لنا يتضمن رؤيتنا لرؤى وأحلام روحية غيبيّة فوق العادة، فأبقى ذلك الكثير من الناس في خانة الانتظار الذي يطول ولا ينتهي عن موعد فتح باب الجنة، وفي نظرة استجداء منا برؤية حلم ينقلنا من جزع الانتظار إلى فرح الوصال... ونسينا أننا في الجنة ولا نحتاج إلى نظرة لأننا في عين الله وقلبه.... وأن ذلك لا يتطلب منا إلا حضورنا ويقظتنا في العادي من أمور الحياة...
الطبخ مثلاً يمكن تحويله إلى أجمل صلاة حيث يكون الذي يطبخ منا خالقاً لعناصر الحياة في القِدر فيخلق تناغماً بين قِدره وبين القدَر... تنظيف أرضية البيت وتلميعها يمكن أن نحوّله إلى تأمل بسيط يعكس لمعان الروح ونظافة البدن...
لم نجعل الأمور العادية في حياتنا تافهة إلا لأننا أصبحنا كسالى عن رؤية عمق بركة هذه الأعمال البسيطة وما تجلبه لنا من منفعة في الجسد والروح.... لقد نسينا ما توارثناه من أجدادنا وجدّاتنا من أحساس مرهف بجمال الأعمال التي نقوم بها، فافتقرنا لها بشدّة....
أين المرأة التي كانت تعجن وتتخايل يد الزهراء أو العذراء معها تعجن....
والأرض التي تدعو لنا كلما كنسناها بمحبة....
كل الأنبياء والمستنيرين كانوا يقدّسون العمل العادي والتأمل فيه.... وكم من قصص لهم تؤكد حرصهم على تقديس العمل البسيط مِن رَقع أحدهم لنعاله بنفسه إلى طحن الحبوب، إلى غرز أرجلهم في الطين لسقي المزروعات إلى تخيير الأرملة بين خبز الخبز أو الجلوس مع أيتامها لحين تجهيز العشاء للصغار، أو حمل جرار الماء على ظهورهم...
إذاً لا تؤجل الفرح ولا تجعل إحساسك فقيراً...
وليدّق قلبك مع كل إشراقة شمس...
تحسّس النور الخافت للنجوم كل ليلة وكأنها تغلّف نورها حياءً منك...
وحين تحدّث أحدهم انظر إلى عينيه وحديثهما غير المحكي...كل هذه الأمور البسيطة وغيرها بأيدينا...
جمال الله وجنته تحتوي كل كائناته...وكل شيء يحتويه الله....
هذا الشعور والوصال هو الذي يحوّلنا من بِركة راكدة إلى نهر مندفع نحو المحيط...
نهر ينهر ويعيش الجنة هنا والآن....

ليست هناك تعليقات: