الأربعاء، 24 سبتمبر 2008

ثــلاثـة

1-
أريد تغيير العالم كُتب على قبر أحدهم ما يليعندما كنت شاباً يافعاً ذا خيال خصب وطموح بلا حدود، كان حلمي أن أصلح وأغيّر العالم.. لكن حينما نضجت وأصبحت أكثر فطنة ودراية اكتشفت أن العالم لن يتغير حسب مزاجي، وقررت أن أحدّ من أخطائي وأكتفي بإصلاح وتغيير بلدي وحسب.. إلا أنه سرعان ما تبين لي أن هذا أيضاً بحكم المستحيلولما تقدم بي السن، قمت بمحاولة أخيرة لإصلاح أقرب الناس إليّ.. عائلتي وأصدقائي المخلصينإلا أنني فوجئت برفضهم أي تغيير كذلك! والآن.. وأنا أرقد على فراش الموت اتضح لي فجأة أنه لو ركزت في البدء على إصلاح نفسي، لكنت مهدت الطريق على الأغلب لتغيير عائلتي التي كانت ستتخذني مثالاً.. وبدعم وإلهام من عائلتي المحبة كنت سأقدر على تحسين مدينتي، ومن يدري لعله كان باستطاعتي عندها أن أغيّر العالم
*******
2-
حياتنا من صنع أفكارنايروى أن طالباً كانت درجاته ممتازة في المرحلة الثانوية، ثم تقدم للقبول في الجامعة، واختبرته الجامعة اختبار القبول، فحصل على درجة 98. فظن الطالب أن الدرجة تشير إلى معدل ذكائه، ومقدار معدل الذكاء: 98 هو أقل من الوسط، وفي أول فصل في الجامعة كانت درجاته أقل من الوسط، فكلمه المرشد، و علم أن الطالب يظن أنه في امتحان القبول حصل على درجة أقل من الوسط لكن المرشد صحح له خطأه وأفهمه أن درجة 98 في ذلك الاختبار تعني أنه أحسن من 98% من الطلاب، أي أنه يندر بين الطلاب في كل الجامعة من يعادله في التحصيل العلمي. وفي الفصل التالي قفزت درجات الطالب إلى أعلى مستوى, وكانت النتيجة التي صنعتها أفكاره بالطبع
*******
3-
ماذا لو بدأنا من جديد؟ يروي برنالد هالدين في كتابه: كيف تجعل من النجاح عادة.. قصة رجل جاوز الثالثة والأربعين من عمره جاءه يوماً و هو يقول: درست القانون وأنا أعمل اليوم محامياً، ولكنني أشعر بعد مرور خمسة عشر عاماً على ممارستي لهذه المهنة، أنني لم أحقق النجاح الذي كنت أتطلع إليه وأنا طالب في كلية الحقوق، لم أكمل تعليمي بعدقال هالدين: وقلت للرجل.. عد إلى سنوات طفولتك و صباك، حاول أن تتذكر عملاً قمت به وشعرت بلذة ومتعة وأنت تؤديه، ألم يكن لك أي ميول أو اتجاهات أخرى في أي مجال؟جلس الرجل صامتاً يفكر فترة طويلة، وفي النهاية بدأ يتكلم و كأنه تذكر شيئاً.. و بدأ يروي قصته، قال: لقد كان والدي يمتلك بندقية صيد كبيرة.. و كان قد كف عن ممارسة هواية الصيد لفترة طويلة ثم قرر فجأة أن يعود إليها، وبحث عن بندقيته فعلاً وجدها كان الصدأ قد علاها، وأصبحت غير صالحة للاستعمال فما كان منه إلا أن ألقى بها جانباً وقرر العدول عن الخروج مع رفاقه للصيدوكنت يومها صبياً لم أتجاوز الثالثة عشرة من عمري، وكنت أحب والدي كثيراً، وما كدت أراه يعود ويشعل الغليون ويضعه في فمه، ويجلس في ملل يرقب النار المشتعلة في المدفأة، حتى شعرت بالأسف من أجلهوعدت إلى البندقية وحملتها في هدوء إلى غرفتي، ثم أغلقت الباب عليّ، بعد أن قررت بيني وبين نفسي، أن أفعل كل ما في وسعي لأعيدها إلى ما كانت عليه. و في اهتمام شديد، رحت أفك أجزاءها قطعة بعد قطعة ثم نظفتها وأزلت الصدأ الذي كان يكسوها، و أعدتها إلى ما كانت عليهإنني لا أستطيع أن أنسى ذراعي والدي القويتين وهما يرفعانني في الهواء ثم يهبطا بي مرة أخرى وهو يصيح: فليباركك الله يا بني.. عندما عدت إليه ببندقيته صالحة للاستعمال مرة أخرى.. لقد أحسست يومها بفخر وزهو لا يعادلهما شيء في الدنيا.. لقد منحني والدي يومها جنيهاً مكافأة ليويقول هالدين: وعدت أسأل صاحبي: هل قمت بأعمال مماثلة بعد ذلك، هل أعدت محاولتك لإصلاح شيء خرب في البيت؟ قال: نعم، فعلت، لقد أصلحت ماكينة الحياكة التي يملكها أمي، و أعدت التيار الكهربائي بعد أن قطع مرة عن البيت، وأصلحت دراجة أختي الصغيرة.. وفي كل مرة كنت أجد متعة وأنا أقوم بهذه الأعمالوقلت للرجل أخيراً: إن مكانك يا صديقي في مصنع كبير لا في مكتب المحاماةقال: ولكنني درست القانون لأن والدي أراد لي هذا الطريققلت: ولماذا لا تدرس الهندسة؟قال: وهل أستطيع أن أعود طالباً بعد أن جاوزت الأربعين؟قلت: بالضبط.. التحق بكلية الهندسة وتعلم، فقد خلقت لتكون مهندساًهذا المحامي الفاشل أصبح واحداً من أشهر مهندسي بريطانيا بعد أن جاوز الخمسين من عمرهيا له من مستودع للمواهب، لم تمسه يد، ذلك الذي كان يختفي داخل هذا الرجل الذي تصور في لحظة من لحظات حياته أن الفشل هو كل نصيبه من هذه الحياة.

ليست هناك تعليقات: